••كأس الأمم الإفريقية بدون منتخب مصر، هى كأس العالم بدون البرازيل. أو كأس الأمم الأوروبية بدون إنجلترا. أفتقد وجود منتخبنا فى جنوب إفريقيا. أفتقد الانفعال والتوقع والحسابات والحلم والبهجة. أفتقد الفرحة التى كنا ننتظرها. وساعات الانتظار قبل كل مباراة للمنتخب. أفتقد الغضب الذى كنا نمارسه، والمحاكمات التى كنا ننصبها للاعبين وللجهاز الفنى. أفتقد جماهيرنا الجميلة التى زينت الاستاد عام 2006.. أفتقد المستحيل الذى حققناه بإحراز الكأس ثلاث مرات متتالية. أفتقد أغنية الدورة وكرتها «كاتيلجو» وتعنى النجاح، وتعويذتها.
«تاكوما» وتعنى فرس النهر أشرس حيوان فى الغابة، ولعله الملك الحقيقى وليس الأسد. أفتقد أسماء المنتخبات الإفريقية، الأسود التى لا تقهر وكانت تقهر، والقروش الرزقاء وكانت لا تسبح، والنجوم السوداء، وكانت تخفت.. أفتقد رقصات الأفارقة وانفعالاتهم التلقائية الصادقة.. أفتقد الكثير..
••منتخب مصر بطل القارة 7 مرات، ومنها 3 مرات متتالية، أسقط نظريات المحترفين فى أوروبا وعددهم، والخوف منهم.. أسقط نظرية القوة الإفريقية وكرة البانتو، القبائل العنيفة التى تسكن القارة. وعلى مدى ثلاث دورات تحررنا تماما من العقدة، ورفعنا شعار «ذكاء الثعالب يهزم شجاعة الأسود». وبينما لم ندرس نحن فى اتحادنا الموقر أسباب تفوقنا فى البطولات الأخيرة، يبدو أن الاتحادات الإفريقية الأهلية درست أسباب تفوقنا، وأخذت تركز على الاستعانة بأبرز اللاعبين المحلىين وبالشباب، أو تطعم عتاولة المحترفين بعناتيل المحليين..
••كأس الأمم الإفريقية كان لها فعل السحر على القارة وعلى اللعبة. كانت البدايات حافلة بالخرافات وبالتخاريف، بالسحر وبالسحرة اللذين يستخدمون الفودو، والفودو هو مذهب دينى متأصل فى غرب أفريقيا ويمارس فى أجزاء من منطقة الكاريبى خاصة فى هايتى وأجزاء من جنوب الولايات المتحدة. وفقا لمعتقد سائد فإن أتباع الفودو يمكن أن يغرسوا دبابيس فى دمى تمثل أعداءهم على أمل أن تصيبهم اللعنة. ويقال انهم يستطيعوا تحويل الناس إلى زومبى، والزومبى هو الحى الميت، حسب معتقدات قبائل الغرب الإفريقى.. غيرت اللعبة وجه القارة، ولم يعد ساحر الفريق هو سيده، وأصبح مدربه هو قائده.. كنا نعرف عن إفريقيا أنها قارة رحبة ومتسعة، تعيش وراء الزمن، وتحكمها الخرافات والأساطير. وأنها غابة يسكنها الوحوش وطرزان ويتنازع السيطرة على أراضيها قبائل الدناكل والهاوسا واليوربا والزولو والأشانتى والماساى الذين يشربون اللبن الممزوج بدماء البقر. وكنا نعرف عن إفريقيا أنها قارة الماضى القديمة التى عرفت الإنسان البدائى الأول، فأصبحت اليوم قارة المستقبل بما تملكه من مواد خام وكنوز وخيرات.. واليوم يعرفها العالم أيضا بأنها القارة التى تقدم أمهر اللاعبين وأفضلهم، وفى بعض الأحيان يكون لاعبها هو اللاعب الأول..
••مرحبا بكم فى جنوب فريقيا.. شاهدوا فرس النهر وهو يلعب هناك، بينما تمساح النيل يتنزه بجوار ضفة النهر باحثا عن ضوء شمس ينتشله مما هو فيه.
** نقلا عن جريدة الشروق المصرية